تقرير حقوقي اللاجئ السوري ما بين الفرار الى الحياة والوقوع في براثن مراكب الموت
منذ اواسط اذار عام 2011، وقعت العديد الاشتباكات العسكرية والمواجهات الدموية وانتشرت أعمال العنف وتزايد انعدام الأمن في البلاد وتدهورت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والإنسانية ,وسادت فوضى الأسعار والغلاءالمتزايد الذي أصاب كل شيء, مع انهيار قيمة العملة المحلية، وضعف القدرة الشرائية للمواطنين, وارتفعت معدلات الفقر, وتزايدت ارقام البطالة مع غياب فرص العمل في كل المناطق السورية ، وبلغت نسبة العائلات الواقعة تحت حدالفقر ما يقارب ال 75% استنادا لأسعار المواد الأساسية وموارد الدخل، وبلغت نسبة العائلات الواقعة تحت حد الجوع 30% من إجمالي العائلات الواقعة تحت خط الفقر، بحسب إحصائية أعدتها الأمم المتحدة.
إثر هذه الحالة الكارثية التي عاشها كل الوطن السوري، تزايدت اعداد الفارين والباحثين عن فرص للعيش الآمن والأفضل، وارتفعت ارقام نزيف الكوادر والخبرات الطبية والعلمية, و في نهاية عام 2020 حسب بيانات الأمم المتحدة , فقد تجاوزت ارقام اللاجئين ال 6,6مليون انسان موزعين في عدة دول، وشكل الأطفال والنساء حوالي أربعة من بينكل خمسة منهم، ويوجد اكثر من 300 الف عائلة سورية لاجئة منتشرة في لبنان والأردن ومصر والسودان والعراق وتركية، ما يعادل أكثر من نصف العائلات السورية اللاجئة بأكملها, وفي بيان خاص لمفوض الامم المتحدة السامي لحقوق اللاجئين، ورد ان: الازمة السورية أصبحت أكبر حالة طوارئ انسانية في حقبتنا ومع ذلك فشل العالم في توفير احتياجات اللاجئين والدول التي تستضيفهم، وإن غالبية اللاجئين في دول مجاورة، حيث تستقبل تركيا أكبر عدد من اللاجئين السوريين 3.6 مليون. ولبنان 865000. والأردن 665000. وفي العراق بمن فيهم اللاجئين إلى إقليم كردستان حيث يتمركز العدد الأكبر 243000. ومصر 131000, في حين تستقبل ألمانيا 790000. والسويد 100000. وينتشر البقية في دول عدة أخرى، وتقدر الدول المضيفة ان هناك مئات الالاف من السوريين لجأوا اليها دون تسجيل رسمي، ان السوريين الان هم أكبر مجموعة لاجئين في العالم.
إن معسكرات لجوء السوريين ,حازت قدرا من الاهتمام الدولي، بالرغم من أن أغلبية السوريين في بلدان اللجوء الاولى(مصر-تركية-الاردن-لبنان) لا يعيشون في تلك المعسكرات بل إن ما يقدر بنحو 75% من اللاجئين السوريين انتقلوا إلى المدن والبلدات حيث يعيش العديد من الأفراد في مساكن مؤقتة يشارك فيها على الأقل سبعة أشخاص آخرين, لان العيش في المعسكرات لا تكفيهمبتأمين متطلبات الحياة من جهة، كما أن اللاجئين، من جهة أخرى، اختاروا الحياة في المدن خارج المعسكرات لأسباب أخرى: فبعض السوريين يستطيعون دفع ثمن كلفة الإقامة فيها، فيما يبحث آخرون عن العمل وهو ما لا توفره المعسكرات، كما تحركهم أيضا دوافع أخرى مثل وجود عائلة أو بعض أفراد جاليتهم بالإضافة إلى الغموض الذي يحيط بمستقبلهم.
يضاف الى كل ذلك، إن تدفق هذا العدد الكبير من اللاجئين المدنيين ساهم بالتأثير على حياة سكان العديد من الأحياء داخل البلد المضيف، وحتى التغيير في بعض معالم هذه البلدان. ففي بعض المدن، وخاصة التي تقع على الحدود السورية، تضاعف عدد السكان تقريبا. وفي بعض الاحياء (بعمان واربد وبيروت وطرابلس والقاهرة والاسكندرية واستنبول) ظهرت المخابز الجديدة، والمحال، ووكالات السفر والمطاعم التي يديرها السوريون فيما يشبه نسخة مصغرة من حلب ودمشق او حمص او اللاذقية او درعا او القامشلي. ويدرك العديد من السوريين أنهم سيظلون خارج سورية على الأقل في المستقبل القريب ومن ثم فإنهم يرغبون في التكيف مع سكنهم الجديد (تشير بعض الاحصائيات في الاردن ولبنان وتركية، الى أن ما يقارب ال 86 في المائة من اللاجئين السوريين خارج المعسكرات يعملون وينشطون على اساس انهم باقون طويلا). وبالتالي، لم يعد السوريون في الخارج مجرد لاجئين ينتظرون نهاية الحرب ولكنهم مهاجرون يسعون للاستقرار.
وضعية اللاجئين السوريين
إن الاوضاع المعيشية الحالية لمعظم اللاجئين السوريين في لبنان والأردن ومصر سيئة جدا، وفي تركيا يتدهورويزداد الحال سوءا بشكل مقلق وخاصة مع ازدياد وتيرة الاعتداءات على بعض اللاجئين السوريين، والتي ترافقت مع ما سمي بالعودة الطوعية الى معسكرات داخل الأراضي السورية، ويشار الى انه عندما دخل السوريون (لبنان-الاردن-مصر- تركيا) للمرة الأولى في 2011، اعتبروا ” ضيوفا”.
وبتصنيف اللاجئين السوريين ” ضيوفا“، اعتقدت الحكومات المضيفة أنها لن تصبح مضطرة إلى تطبيق المعايير الدولية لحماية اللاجئين وفقا لتعريف مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين الذي يوفر الأساس القانوني لبقاء اللاجئين في البلاد ويضمن ألا يجبروا على العودة إلى بلدانهم. ولكن الحكومات المحلية اضطرت إلى تغيير مسارها ومنحت وضع الحماية المؤقتة للاجئين السوريين (الحكومة الاردنية في كانون الاول 2011-الحكومة المصرية اذار2012- الحكومة اللبنانية تشرين الثاني 2012- الحكومة التركية تشرين الثاني 2011) كما تم منح الحماية المؤقتة للاجئين الفلسطينيين القادمين من سورية.
ومنذ عام2013، اتخذت جميع الحكومات المضيفة خطوات إضافية، عبر وضع انظمة قانونية جديدة لحماية ومساعدة راغبي اللجوء. ففي السابق، تعاملت الحكومات مع راغبي اللجوء دون أي ضمانات أو إجراءات قانونية موضوعية مثل الرقابة القضائية على القرارات الادارية الخاصة باللجوء،واليات تنفيذها، اما فيما بعد، وفي جميع البلدان المضيفة،صار اللاجئون السوريون ملزمون بالتعامل مع مؤسسات حكومية جديدة مختصة بإدارة الهجرة مع اللاجئين السوريين وتشرف على تنفيذ هذه القواعد القانونية الجديدة.
ولكن الحماية المؤقتة وكذلك القوانين الجديدة للجوء ما زالت تترك العديد من السوريين في وضع مزر، حيث لا يطبق القانون على نحو عادل، كما لا يجد اللاجئون الموارد إذا ما رفضت الدول منحهم وضع الحماية المؤقتة. ولا تعالج التعاليم القانونية المحلية الاوضاع غير القانونية للاجئين بالمدن والبلدات، حيث ان احتياجاتهم الحقيقية مجهولة بدءا:من الغذاء وصولا إلى الملجأ والتعليم. والأهم من ذلك، فإن وضع الحماية المؤقتة لا يسمح للسوريين بالعمل بسهولة في اماكن تواجدهم. فوفقا لمسح أجري مؤخرا للسوريين الذين يعيشون خارج معسكرات اللاجئين “في لبنان والاردن وتركية” فإن نحو 77 في المائة من المجيبين على المسح كانوايبحثون عن عمل. ويجري استغلال حاجة السوريين إلى العمل في استغلالهم كقوى عاملة رخيصة وهو ما اتضح من الانخفاض المستمر لأجور العمال في مختلف الصناعات كالبناء والنسيج والصناعات الثقيلة والزراعة، ومؤخرا سمحبمنح بعض السوريين تصاريح عمل رسمية قصيرة المدى بالإضافة إلى التدريب المهني واستحقاقات الضمان الاجتماعي.
مع غياب أي انفراجات على المستوى الاقتصادي وضيق الحياة الاجتماعية وتزايد اعداد الفقراء واعداد العاطلين عن العمل والتي تزامنت مع العقوبات المفروضة على سورية, ومع غياب اي افق للحل السياسي السلمي, وهذا ماساهم بتدفق اللاجئين والمهجرين قسريا والنازحين والفارين الى خارج الحدود , مما يؤكد-وحتى الان- عدم وجود أية إشارة على أن السوريين ربما يعودون طواعية إلى بلادهم في ظل الفوضى السائدة ، مما يفترض انه من واجب الدول المضيفة, معالجة الوضع الدائم للسوريين داخل حدودها خاصة فيما يتعلق بأوضاع اللاجئين السوريين الذين لم يسجلوا لدى مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين أو الحكومات المحلية أو الذين لا يعيشون في معسكرات اللاجئين. ومنذ عدة سنوات كان قد تعهد الاتحاد الأوروبي بتوطين حوالي ال 16 ألف لاجئ سوري، وأعلنرئيس المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، أن 17 دولة وافقت على فتح أبوابها أمام اللاجئين السوريين الراغبين في الهجرة، إن هذه البلدان يمكن أن تستقبل أكثر من 10 آلاف لاجئ يرغبون في مستقبل أفضل. والبلدان الـ 17 هي أستراليا والنمسا وكندا وفنلندا وألمانيا والمجر ولوكسمبورغ وهولندا ونيوزيلندا والنرويج وإسبانيا والسويد وسويسرا والدنمارك وفرنسا والولايات المتحدة والمكسيك.
حقوق اللاجئين وفقا للاتفاقيات الدولية
اللاجئ ليس مختارا لواقعه وانما دفعته ظروفه القاسية الى الوضع الجديد فعليه ان يعيش في المنفى وان يعتمد على الاخرين في كثير من حاجاته الاساسية من طعام وملبس وتعليم ومأوى ورعاية صحية وغيرها.
والمشرد يختلف عن اللاجئ، ذلك ان الشخص المشرد يبقى في بلده لكنه يضطر الى ترك مسكنه الى مكان اخر أكثرامنا له كما هو الحال في افغانستان خلال فترة الحرب الاهلية وكما يحصل في العديد من البلدان وبخاصة الدول الفقيرة عند حصول الكوارث الطبيعية كالفيضانات والاعاصير والامطار الغزيرة.
ولا شك ان هناك علاقة وطيدة بين مشكلة اللاجئين وقضية انتهاكات حقوق الانسان فهذه الانتهاكات ليست هي التي تدفع اللاجئين للهجرة وانما تمنعهم ايضا من العودة لأوطانهم طالما ان السبب الذي دفعهم للهجرة مازال قائما.
ان اي لاجئ له من الحقوق الاساسية التي ينبغي احترامها قبل عملية طلب الملجأ وخلالها وبعد ان يقبل كلاجئ حسب اتفاقية جنيف لعام 1951 ولهذا فان قضية اللاجئين صارت معيارا لاختبار الواجبات على الدول في احترامها لحقوق الانسان. وفي 3 ديسمبر من عام 1949 قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها المرقم 319 انشاء مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين ولديها الان فروع وممثليات في أكثر من 100 بلد وهي تسعى الى ايجاد حلول لمشكلة اللاجئين وتوطينهم او ادماجهم في المجتمعات الجديدة كما توصف وظيفة المفوض السامي بانها غير سياسية وهي ذات طابع انساني واجتماعي. ويحكم وضع اللاجئين في القانون الدولي اتفاقية جنيف لعام 1951 والبرتوكول الملحق بها الموقعة في نيويورك عام 1967 لتنظيم وضعهم.
لقد نصت المادة 1 من اتفاقية جنيف لعام 1951 على تعريف اللاجئ على انه:
((تنطبق اللفظة على كل من وجد، نتيجة لأحداث وقعت قبل 1 كانون الثاني 1951 وبسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه او دينه او جنسيته او انتمائه الى فئة اجتماعية معينه او رأي سياسي، خارج البلد الذي يحمل جنسيته، ولا يستطيع، او لا يرغب في حماية ذلك البلد بسبب هذا الخوف، او كل من لا جنسية له وهو خارج بلد اقامته المعتادة السابقة ولا يستطيع او لا يرغب نتيجة لهذه الاحداث في العودة اليه)).
وهذه الاتفاقية تضمن الحماية القانونية للاجئ وتوجب احترام حقوق الانسان الوارد في الاعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948 وطبقا للاتفاقية المذكورة لا يجوز مطلقا طرد الاشخاص الحاصلين على اللجوء او اعادتهم بالقوة حيث تنص المادة 33 على ما يلي:
((يحظر على الدولة المتعاقدة طرد او رد اللاجئ بأية صورة الى الحدود او الاقاليم التي فيها حياته او حريته مهددة بسبب عرقه او دينه او جنسيته او انتمائه الى فئة اجتماعية معينة او بسبب آرائه السياسية))
اما برتوكول عام 1967 الموقع في نيويورك بخصوص اللاجئين فانه بموجب البرتوكول المذكور صار بإمكان اللاجئ طلب الحماية حتى في الاحداث الواقعة بعد 1\1\1951.
ومن الاتفاقيات الخاصة بوضع اللاجئين هي اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 بشأن حماية الاشخاص المدنيين في وقت الحرب وبخاصة ما جاء في المادة 44 التي نصت على حماية الضحايا المدنيين وحماية اللاجئين والمشردين وكذلك ما جاء في المادة 73 من البرتوكول الاضافي لعام 1977 والتي تنص على حماية عديمي الجنسية وقد عرفت اتفاقية عام 1954 المتعلقة بوضع اللاجئ عديم الجنسية بما يلي: ((اي شخص لا تعتبره اي دولة مواطنا بموجب اعمال قانونها)). وهناك ايضا اتفاقيات اخرى لها علاقة مع اوضاع اللاجئين ومنها مثلا اتفاقية عام 1961 بشأن تقليل حالات انعدام الجنسية واعلان الامم المتحدة لسنه 1967 بشأن اللجوء الاقليمي الى جانب وجود صكوك اقليمية في افريقيا وفي اوروبا وامريكا اللاتينية وغيرها.
وطبقا للإعلان العالمي لحقوق الانسان والاتفاقيات الخاصة باللجوء سالفة الذكر فان الشخص اللاجئ يستحق جميع الحقوق والحريات الاساسية المنصوص عليها في الصكوك الدولية لحقوق الانسان ومن هنا ينبغي حماية اللاجئ من هذا المنظور الانساني – الدولي الواسع ولا يجوز لأي دولة وقعت على الاتفاقية رفض الحماية للشخص اللاجئ والا فإنها تتحمل المسؤولية القانونية عن ذلك.
ويجوز عرض المساعدة للاجئ وترك حرية الاختيار له في العودة او البقاء وهذا يعني عدم جواز ابعاد اللاجئ جبرا الى وطنه وهو ما يسمى مبدأ عدم الرد او مبدا عدم الاعادة القسرية م 33 من اتفاقية جنيف 1951ولعل من اهم حقوق اللاجئ هو الحق في الحياة والحق في سلامة الكيان البدني من التعذيب وسوء المعاملة والحق في الحصول على الجنسية والحق في حرية التنقل والحق في مغادرة اي بلد ما والعودة اليه والحق في عدم الارغام على العودة هذا الى جانب الحقوق الاخرى كالتعليم والصحة والضمان الاجتماعي والتقاعد وغيرها.
وقد جاء في المادة رقم 3 فقره 1 من اتفاقية الامم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة او العقوبة القاسية او اللاإنسانية او المهينة بخصوص مبدأ عدم الرد ما يلي:
(لا يجوز لأية دولة طرف ان تطرد اي شخص او ان تعيده او ان تسلمه الى دولة اخرى إذا توفرت لديها اسباب حقيقية تدعو الى الاعتقاد بانه سيكون في خطر التعرض للتعذيب)كما ان على الدولة ان تراعي حالة الانتهاكات البليغة لحقوق الانسان في البلد المعني.
ويمكن ان تتم الهجرة او اللجوء احيانا لأسباب اقتصادية ولذلك تقبل بعض الدول هؤلاء لهذه الاسباب. اما الاساس الذي يقوم علية حق اللجوء السياسي فهو ((الخوف من الاضطهاد)) وان المادة 33 نصت على ان كل ما يهدد حياة الفرد وحريته بسبب الاصل العرقي او الدين او الفكر السياسي او الجنسية او الانتماء الى فئة اجتماعية يعد سببا كافيا لطلب اللجوء السياسي الا انه ظهرت الان قيود متشددة لأحكام اتفاقية جنيف لعام 1951 ولنصوصها.
اللجوء الثاني: ومنها مراكب الموت
عندما يحاول اللاجئ من سوريا أن يباشر لجوؤه الثاني هربا من الاضطهاد أو شقاء الحال في بلدان اللجوء الأول، يصطدم بأسوار قانونية وأمنية شيدتها الدول الأوروبية حول حدودها لمنع الهاربين من المذابح من الوصول إليها. تبقى الهجرة غير الشرعية الملاذ الأخير، وإن كان «غير الآمن» بالنسبة إلى السوريين الهاربين من الموت في بلادهم، والذل في بلد اللجوء، رغم كل الأخطار التي يتعرضون لها خلال الرحلة البحرية. وبعدما كانت تعد كل من بلغاريا وإيطاليا بلدي العبور الأساسيين باتجاه الدول الأوروبية، اتخذت الأولى قرارا بإغلاق حدودها بسياج شائك مع تركيا أمام اللاجئين السوريين قاطعة طريق الهجرة أمامهم، بعدما وصل عدد الهاربين إليها العام الماضي 2021 إلى أكثر من 30ألف شخص.
إضافة إلى تركيا التي ينتقل اللاجئون منها إلى بلغاريا، وتعد مصر ومن بعدها ليبيا من أكثر الدول التي تشهد هجرة غير شرعية للسوريين باتجاه إيطاليا، ومنها إلى بلدان أوروبية أخرى، وعندما يصلون إلى السواحل الليبية يتكدسون في مراكب لا تتوفر فيها شروط السلامة للمغامرة برحلة محفوفة بالمخاطر عبر البحر المتوسط باتجاه لامبيدوزا قبالة صقلية، أو مالطا «مقتلة» السورييّن, وهكذا ترد الأخبار بين حين وآخر عن غرق قارب في المتوسط كان يحمل المئات من اللاجئين من سوريا دفعوا مدخراتهم لبزنس تهريب مزدهر بغرض أن يصلوا إلى أوروبا. أما من ينجحون في الوصول فيتواتر أن يُحجزوا في معسكرات تشبه السجون لمدد قد تطول شهورا، ودون ضمان أن يتم الاعتراف بهم في النهاية كلاجئين، أن مراكب الموت من اجل الهجرة غير الشرعية، هي جريمة دولية منظمة مكتملة العناصر.
وتتزايد هذه الظاهرة بعد تعرض السوريين إلى مضايقات سياسية واجتماعية، وقد شهدت السنتان الأخيرتان حوادث غرق مراكب عدة لمهاجرين سوريين على الشواطئ المصرية والليبية واليونانية والقبرصية والإيطالية والتركية، بعضها أعلن عنها وبعضها الآخر لم تعرف تفاصيلها أو هويات المهاجرين. وسبق لمفوضية شؤون اللاجئين أن أعلنت أن أكبر مجموعة من المهاجرين الذين وصلوا إلى إيطاليا بحرا، هم من الجنسية السورية، وأعلنت البحرية الإيطالية واليونانية والقبرصية أن دورياتهم في البحر المتوسط تعترض أعدادا لمتسللين يوميا، وكثفت سلطات هذه الدول عمليات المراقبة البحرية لمنع حدوث مزيد من حالات الغرق للمهاجرين غير الشرعيين.
وبتاريخ 23\9\2022، أعلنت وزارة النقل السورية انتشال عدد من الجثث لمهاجرين، ومن جنسيات مختلفة غرق مركبهم قبالة طرطوس، وأن عمليات البحث عن مفقودين مستمرة، فيما تم إسعاف عدد من الناجين.
وقالت مديرية الموانئ البحرية السورية، إنه تم إنقاذ عدد من الناجين وأسعفوا إلى مشفى الباسل، وأن عمليات البحث في الموقع، ما زالت مستمرة بمشاركة زوارق العديد من الصيادين، وأن كوادر المديرية بالتعاون مع أهالي جزيرة ارواد والعديد من الصيادين في طرطوس يعملون بكل جهودهم على إنقاذ زورق بحري، وذلك في موقع مقابل منطقة المنطار، ومقابل جزيرة أرواد وعدة مواقع على شاطئ طرطوس.
يذكر انه بتاريخ 20\9\2022 انطلق زورق من لبنان – المنية , بقصد الهجرة غير النظامية التي تتنامى وما بعد يوم نتيجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المأساوية، وبفعل انسداد الأفق السياسي وغياب الحلول واليأس الذي يضرب أفقيا شعب لبنان الذي بدأ يرمي نفسه في البحر بحثا عن حياة ومستقبل أفضل، لكنه يجد إما مخيمات اللاجئين في دول لا تقدم أبسط مقومات العيش الكريم، وإما الموت غرقا في بحر غدار لا يتطلع الى أحلام المهاجرين, لقد انطلق القارب المميت بعد تجهيزه بما يلزم، ولدى وصوله الى قبالة شاطئ طرطوس قرب جزيرة أرواد وتبدل حالة الطقس وارتفاع مستوى الأمواج اختل توازن المركب ودخلت إليه المياه خصوصا أنه يحمل فوق طاقته بكثير، اكثر من 150 شخصا , ما أدى الى انكساره وغرقه، حيث بلغت الحصيلة غير النهائية 110 متوفيا و13 ناجيا تم نقلهم الى مستشفى الباسل في طرطوس للمعالجة, وبحسب المعلومات ومن جنسيات مختلفة سورية وفلسطينية إضافة الى لبنانيين من المنية وعكار وطرابلس ومناطق أخرى, وخيم الحزن على عائلات جديدة في سورية ولبنان وفلسطين, فقدت أبنائها في مركب موت جديد, حيث أن ظروف الحياة الصعبة وانسداد الأفق دفع هؤلاء لركوب البحر بحثا عن حياة أفضل، الى بحر تحول إلى منصة محورية لهجرة غير شرعية لمواطنين يحاولون الهرب من واقعهم الأليم، فيما يبدو أنه مسلسل لن يتوقف قريبا، في ظل وجود العوامل المنتجة للظاهرة، من فقر وبطالة وحالة يأس من الواقع، تنتاب عددا كبيرا من الشبان، في أنحاء متفرقة من المنطقة العربية، وتدفعهم دفعا لركوب الموج،على قوارب ضعيفة في رحلات ينتهي جلها بالموت غرقا.
فيما يتعلق بحقوق اللاجئين من سوريا، نؤكدعلى الأمور الأساسية التالية:
اللجوء معضلة قانونية وإنسانية مصطنعة ليس لها عرق أو جنس أو دين, ان التمييز في الحقوق والضمانات بين اللاجئين على أي أساس مدان وغير مقبول. إن قضية اللاجئين من سورية، قضية انسانية أولا وسياسية ثانيا لأنهانتيجة صراع سياسي دموي وعنفي، اللاجئون رحالة بين الدول في بحث حثيث عن منفى يحفظ لهم كرامتهم الإنسانية. وهذا هو حال رحلة السوري نحو ملجئه كما هو موثق في الكثير من التقارير الدولية والدراسات والاحصاءات، ومن خلال التجربة العملية للنشطاء في الدول المختلفة. فإن كانت الدول والحكومات تنسق فيما بينها أمنيا في مراقبة الحدود، فإن هذا التنسيق غائب عن المنظمات الأهلية والنشطاء الذي يقدمون الدعم للسوريين في بلدان اللجوء المختلفة. وبالتالي فإن التضامن مع قضية اللاجئين من سورية يقتضي تنسيقا أوسع بين النشطاء والمنظمات الأهلية المعنية في مختلف الدول على طرق اللجوء عبر المتوسط والقارة الأوروبية.
إننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان، وفي المركز السوري لأبحاث ودراسات قضايا الهجرة واللجوء Scoria, والشبكة الوطنية السورية للسلم الأهلي والأمان المجتمعي، والمنظمات والهيئات الموقعة ادناه، إذ نؤكد على تضامننا الكامل مع أسر الضحايا، نتوجه بالتعازي القلبية والحارة لجميع من قضىمن المواطنين السوريين، متمنين لجميع اللاجئين حياة آمنة، ومسجلين إدانتنا واستنكارنا لجميع من يحاول التجارة والاستثمار بحياة وروح السوريين، وإننا نعلن ما يلي:
دمشق في5\ 9 \2022
المنظمات والهيئات المعنية في الدفاع عن حقوق الانسان في سورية، الموقعة: