بمناسبة اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية

 

 

تحقيق العدالة الاجتماعية في سورية لتحقيق السلام والأمن واحترام جميع حقوق الإنسان

 

نحتفي باليوم العالمي للعدالة الاجتماعية لهذا العام 2024 في وقت يتسم بحالة كبيرة من عدم اليقين في العالم، إذ يواصل الفقر والنزاع ابتلاء حياة كثير من الناس فيما تشهد مجتمعات أكثر ازدهارا توسع أوجه عدم المساواة، وأن تعزيز العدالة الاجتماعية ينبغي أن يكون الهدف الرئيس الذي تسترشد به كل السياسات الوطنية والدولية، وأن تتصدر العدالة الاجتماعية سلم الأولويات، بتعزيز العمل والتركيز على الحقوق الأساسية، وفرص العمل، والحماية الاجتماعية، والحوار الاجتماعي البناء ، مع تواصل المظالم الجسيمة، وغياب الأمن الوظيفي على نطاق واسع، واتساع رقعة التفاوتات، مع بقاء إحدى الأولويات الملحة هي تعزيز المؤسسات والسياسات التي تعمل بجد على تعزيز العدالة الاجتماعية عبر إدارة العمل الشاملة والفعالة، وإتاحة فرص العمل والتعلم مدى الحياة، وإصلاح المؤسسات لتحقيق نتائج أكثر عدالة في سوق العمل، وتوسيع نطاق الحماية الاجتماعية في معيشة المواطنين.

ويتزايد الدعم لإنشاء تحالف عالمي واسع النطاق من أجل العدالة الاجتماعية، ويراد من ذلك التحالف تعزيز التعاون المتعدد الأطراف والسياسات المتوافقة التي تركز على تعزيز أهداف العدالة الاجتماعية، وتسليط الضوء على المبادرات المؤثرة التي نجحت في تعزيز العدالة الاجتماعية، وسيعمل التحالف على تيسير المناقشات الاجتماعية الوطنية البناءة لتحديد فجوات العدالة الاجتماعية ومعالجتها، وبوجه عام، توجد دعوات تحث على بذل جهود منسقة لتصدير النهوض بالعدالة الاجتماعية بوصفه أولوية سياسية قصوى على كافة المستويات.

لقد اعتمدت منظمة العمل الدولية بالإجماع إعلانها بشأن العدالة الاجتماعية من أجل عولمة عادلة في 10 حزيران 2008، وهذا هو بيان المبادئ والسياسات الرئيسي الثالث الذي اعتمده مؤتمر العمل الدولي منذ صدور دستور منظمة العمل الدولية لعام 1919، ويبنى هذا البيان على إعلان فيلادلفيا لعام 1944 والإعلان المتعلق بالمبادئ والحقوق الأساسية في العمل لعام 1998، إن هذا الإعلان التاريخي لممثلي الحكومات وأرباب العمل ومنظمات العمال من 182 دولة من الدول الأعضاء في المساعدة على تحقيق التقدم والعدالة الاجتماعية في سياق العولمة، ويلتزمون معا بتعزيز قدرة منظمة العمل الدولية على تحقيق هذه الأهداف، بواسطة برنامج العمل اللائق ويضفي هذا الإعلان الطابع المؤسسي على مفهوم العمل اللائق الذي وضعته منظمة العمل الدولية منذ عام 1999، وبذلك يضعه في صلب سياسات المنظمة لتحقيق أهدافها الدستورية، ويصدر هذا الإعلان في لحظة سياسية حاسمة، و يظهر توافق الآراء الواسع النطاق بشأن الحاجة الى بعد اجتماعي قوي للعولمة في تحقيق أفضل نتائج عادلة للجميع، ويشكل بوصلة للنهوض بعولمة عادلة تقوم على أساس العمل اللائق، وكذلك أداة عملية لتسريع التقدم في تنفيذ برنامج العمل اللائق على المستوى الوطني، كما يظهر نظرة إنتاجية من طريق تسليط الضوء على أهمية المنشآت المستدامة في خلق المزيد من فرص العمالة والدخل للجميع، تسلم الجمعية العامة بأن لا غنى عن التنمية الاجتماعية والعدالة الاجتماعية لتحقيق السلام والأمن وصونهما داخل الدول وفيما بينها وأن لا سبيل، بالتالي، إلى بلوغ التنمية الاجتماعية والعدالة الاجتماعية دون أن يسود السلام والأمن ويشيع احترام جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية.

وتسلم كذلك بأن العولمة والترابط يتيحان فرصا جديدة، عبر التجارة والاستثمار وتدفق رؤوس الأموال وأوجه التقدم التكنولوجي، بما يشمل تقانة المعلومات، أمام نمو الاقتصاد العالمي والتنمية وتحسين مستويات المعيشة في العالم، مع استمرار وجود تحديات جسام، منها الأزمات المالية الحادة وغياب الأمن وزيادة الفقر والاستبعاد والتفاوت في داخل المجتمعات وفيما بينها، والعقبات الكأداء التي تحول دون زيادة اندماج البلدان النامية، وكذلك بعض البلدان التي تمر اقتصاداتها بمرحلة انتقالية، ومشاركتها الكاملة في الاقتصاد العالمي، وفي 26 تشرين الثاني 2007، أعلنت الجمعية العامة أنه اعتبارا من الدورة الثالثة والستين للجمعية العامة، تقرر إعلان الاحتفال سنويا في يوم 20 شباط بوصفه اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية.

موضوع اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية 2024 هو “سد الفجوات وبناء التحالفات”، واختارت الأمم المتحدة هذا الموضوع للتأكيد على أهمية التعاون والشراكة في مواجهة التحديات التي يواجهها العالم، وهي مبادرة رائدة تهدف إلى تكثيف الجهود الجماعية لمعالجة أوجه القصور في العدالة الاجتماعية بشكل عاجل وتسريع تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030 وأهداف التنمية المستدامة وخطة العمل اللائق لعام 2024.

وأكدت الأمم المتحدة، أن تعزيز العمل اللائق وأجندة العولمة العادلة التي تركز على الحقوق الأساسية وفرص العمل والحماية الاجتماعية والحوار الاجتماعي البناء بين الحكومات وأصحاب العمل والعمال هو المفتاح لوضع العدالة الاجتماعية في جوهرها، ومع ذلك، يشير المناصرون إلى استمرار الظلم الخطير، وانعدام الأمن العمالي على نطاق واسع، وارتفاع عدم المساواة، وانهيار العقود الاجتماعية التي تفاقمت بسبب الأزمات العالمية ، وإن التنمية الاجتماعية والعدالة الاجتماعية لا غنى عنهما لتحقيق والحفاظ على السلام والأمن داخل الدول وفيما بينها، واعتبرت أن التنمية الاجتماعية والعدالة الاجتماعية لا يمكن تحقيقهما في غياب السلام والأمن، أو في غياب احترام جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية.

العدالة الاجتماعية نقيض الظلم الاجتماعي، والذي يتجسد فى عدة صور منها الاستبداد والاستعباد والقهر الاجتماعي، ويمكن التمييز بين مفهوم العدالة الاجتماعية من خلال: العدالة كفضيلة تنطبق على المجتمع وليس فقط على السلوك الفردي، ولان مصطلح العدالة الاجتماعية هو مصطلح سياسي يحمل دلالات أيديولوجية مختلفة ، ويثير المفهوم مجموعة من المناشدات والأفكار التي تقتضى تحقيق المساواة وتوفير الحق في الحد الأدنى اللائق وتكافؤ الفرص، وتحديد الظلم الاقتصادي الناجم عن قوى السوق غير المنظمة والتوصية بعمل الدولة لتحسينه أو إزالته كليا، ويثير مفهوم العدالة الاجتماعية العديد من القضايا واهمها:

  • المساواة وعدم التمييز وتكافؤ الفرص: يتعرض مفهوم العدالة الاجتماعية لمسألة تحقيق المساواة فى المجتمع، وتقليل الى أقصى حد ممكن الظلم والاستغلال الاجتماعي.
  • الضمان الاجتماعي: يشمل الضمان الاجتماعي الحق فى الحصول على استحقاقات أو ضمانات مادية وغير ذلك، وفلسفة ذلك هو محاولة ربط نسيج الشعب وتقليل الفجوات بينهم دون تمييز، كما يتضمن عدة أمور من أمثلة، تقديم مساعدات مالية الى الأفراد الأكثر احتياجاً فى المجتمع، تقديم رعاية صحية جيدة لكل طبقات المجتمع، كفالة الأفراد الذين وُلدوا فى طبقات فقيرة بتقديم لهم تعليم فعال وعمل لائق
  • التوزيع العادل للموارد:

تعني العدالة الاجتماعية التوزيع العادل للموارد والأعباء من خلال نظم الأجور والدعم والتحويلات ودعم الخدمات العامة، وبالذات الخدمات الصحية والتعليمية. وإصلاح هيكل الأجور والدخول يتم من خلاله تحديد المستوى المعيشي للعاملين بأجر، ويعكس بصورة أو بأخرى توزيع القيمة المضافة المتحققة في العملية الإنتاجية، وإصلاح النظام الضريبي عبر توزيع الأعباء الضريبية على كافة شرائح المجتمع دون تمييز.

تثير إمكانية تطبيق العدالة الاجتماعية عدد من الإشكاليات يمكن حصرها على النحو التالي:

  • ضرورة غياب التمييز بين المواطنين: حيث ينبغي إزالة كل ما يؤدى إليه من عوامل، وغياب ما يترتب على التمييز من نتائج سلبية كالتهميش والإقصاء الاجتماعي والحرمان من بعض الحقوق.
  • إشكالية توفير فرص متساوية: تكافؤ فى فرص العمل ضد البطالة شائعة ومواطن الشغل غائبة. وهو ما يرتب التزاما على الدولة بوضع السياسات واتخاذ الإجراءات الكفيلة بتوفير فرص العمل.
  • إشكالية التمكين: توفر استراتيجيات التمكين لكافة عناصر المجتمع وبالذات المهمشة منها، فلا بد من تمكين الأفراد من الاستفادة من الفرص ومن التنافس على قدم المساواة من أجل نولها. فاغتنام الفرص قد يرتبط بتوافر قدرات معينة مثل مستوى تعليمي معين.
  • إشكالية الاختلاف ووجود الفوارق الفردية: فقد ينتج الاختلاف فى قدرات الأفراد وفى حظوظ أسرهم من الفقر أوالغنى ومن تدنى المكانة الاجتماعية أو علوها، فروقا واسعة فى العوائد أو النواتج تتجاوز ما يمكن اعتبارها فروقا مقبولة اجتماعيا.

في اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية الأمم المتحدة نشدد على ضرورة بناء مجتمعات عادلة وأكثر شمولا، مع افتقار اكثر 80% من سكان عالم للخدمات الاجتماعية الأساسية وازدياد عدم التكافؤ، وندعو إلى حقبة جديدة من العدالة الاجتماعية توفر الخدمات الأساسية وفرص العمل اللائق وتضمن حماية الفقراء والمهمشين، إن العدالة الاجتماعية هي أكثر من مجرد ضرورة أخلاقية، فهي أساس الاستقرار الوطني والازدهار العالمي إن تكافؤ فرص العمل والتضامن واحترام حقوق الإنسان سيساهم في زيادة القدرات الإنتاجية للأمم والشعوب، إن العمل والعدالة والخبز والكرامة والحماية والديمقراطية والأمن القومي والدولي ليست مطالب منفصلة، وما سيحدث في المستقبل سيعتمد على تحقيق هذه المطالب، وإن تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية يجعل من تحقيق العدالة الاجتماعية أمرا بالغ الأهمية، وبالنسبة لعشرات الملايين من السوريين الذين فقدوا وظائفهم منذ بدء الأزمة فإن الأزمة ما زالت بعيدة عن الانتهاء، وان مبادرة الأمم المتحدة لمنح حد أدنى من خدمات الحماية الاجتماعية لضمان الأمن الغذائي والرعاية الصحية والمعاش، ينبغي ألا يقل مصدر دخل أي شخص عن مستوى معين وينبغي أن تتاح للجميع فرصة الوصول إلى الخدمات العامة الأساسية مثل المياه والصرف الصحي والتعليم والصحة، إن السعي لتحقيق العدالة الاجتماعية يكتسب أهمية خاصة لتحقيق النمو الاقتصادي والتقليل إلى أقصى حد ممكن من مخاطر وقوع اضطرابات اجتماعية، حان الوقت لبناء حقبة جديدة من العدالة الاجتماعية على أسس العمل اللائق، فالرجال والنساء الذين يفتقرون إلى فرص العمل أو سبل المعيشة لا يهتمون بمعرفة معدلات النمو الاقتصادي طالما ذلك يتركهم دون حماية، أن تحسين سبل الحماية الاجتماعية هي من أفضل السبل لمحاربة الفقر، أن الدول الفقيرة بدأت تقدم أفكارا مبتكرة لضمان حصول مواطنيها على الخدمات الاجتماعية الأساسية، إن الحماية الاجتماعية هي واحدة من أقوى الأدوات في أي مجتمع لمحاربة الفقر والاستثمار في التنمية الاقتصادية، إن مشاريع الحماية الاجتماعية الناجحة يمكن ان تساعد في الحد من الفقر وتوفير دخل

تقوم العدالة الاجتماعية على عدة عناصر ومقومات، من أبرزها:

  • المحبة: ويقصد بها أن يحب كل شخص لغيره ما يحب لنفسه.
  • تحقيق الكرامة الإنسانية.
  • نشر المساواة والتضامن بين جميع أفراد المجتمع.
  • احترام وتعزيز مفهوم العدالة الاجتماعية.

ويعترض تحقيق العدالة الاجتماعية مجموعة من المعوقات من أهمها:

  • غياب الحرية وانتشار الظلم والفساد والمحسوبية.
  • عدم المساواة في توزيع الدخل بين الأفراد على المستوى المحلي.
  • عدم المساواة في توزيع الموارد والممتلكات كالأراضي والمباني بين الأفراد.
  • عدم المساواة في توزيع فرص العمل بأجر.
  • عدم المساواة في الحصول على فرص التعليم، وعلى الخدمات التعليميّة المختلفة كالإنترنت والكتب.
  • عدم المساواة في توزيع خدمات الضمان الاجتماعي والخدمات الصحية.

يمكن تعزيز العدالة الاجتماعيّة عن طريق:

  • نشر الوعي بأهمية العدالة الاجتماعية بين الأهل والأصدقاء وزملاء العمل وفي المجتمع، سواء عن طريق الحوار المباشر، أو استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
  • الاستماع للآخرين ومعرفة توجهاتهم وما يشعرون به واحترام آرائهم.
  • دعم المنظمات المحلية التي تطالب بتحقيق المساواة، من خلال حضور الندوات أو توقيع العرائض التي تدعو إلى تحقيق العدالة الاجتماعية.
  • التطوع في الأعمال الخيرية المختلفة.
  • تقبل التنوع من خلال التواصل مع الأفراد الذين ينتمون إلى أعراق وثقافات وديانات مختلفة بهدف بناء علاقة صداقة معهم، وفهم ثقافاتهم وتقبل الاختلافات الفكرية، ومعرفة أوجه التحيز في المجتمع والقضاء عليها، ومعرفة القضايا التي تؤثر على الأفراد الذين ينتمون لثقافات مختلفة ومحاولة مساعدتهم، ويمكن أن يكون ذلك من خلال زيارة الأحياء والمجتمعات التي يعيشون فيها.

يترابط ويتداخل مفهوم العدالة الاجتماعية مع عدة مفاهيم سياسية، وأحيانا يتم الخلط بينه وبين مفاهيم أخرى.

  • العلاقة بين العدالة الاجتماعية والمساواة: كثيرا ما يتم الخلط بين هذين المفهومين ويتناولهم البعض كمترادفين. ولكن يجب الانتباه إلى أن العدالة الاجتماعية لا تعنى المساواة الكاملة أو المطلقة، أي أنها لا تعنى مثلا التساوي الحسابي فى نصيب أفراد المجتمع من الدخل أو الثروة. فمن الوارد أن تكون هناك فروق فى هذه الأنصبة، حيث تتواكب هذه الفروق مع الفروق الفردية بين الناس فى أمور كثيرة كالفروق فى الجهد المبذول فى الأعمال المختلفة وفيما تتطلبه من مهارة أو تأهيل علمي أو خبرة، وكذلك الفروق المرتبطة بالعمر وبالصحة
  • العلاقة بين العدالة الاجتماعية والحرية: إن العلاقة بين تطبيق العدالة الاجتماعية ومسألة تعارضها مع مفهوم الحرية هو سجال ونقاش دائم فى الفكر السياسي،
  • العلاقة بين العدالة الاجتماعية والتنمية: إذا أرادت الدولة تطبيق العدالة الاجتماعية فى الدولة فلا بد أن يواكب ذلك عملية تنمية شاملة بكافة جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فالتنمية السياسية تستلزم بناء مؤسسات تستطيع استيعاب التغيرات الحادثة فى الدولة وحشد الرأي العام ومؤسسات الدولة الرسمية وغير الرسمية لبذل أقصى جهد لتطبيق العدالة الاجتماعية. ولا يختلف الأمر كثيرا فى التنمية الاقتصادية، حيث وجود النية لإقامة عدالة اجتماعية لا بد أن يوازيه عملية تنمية اقتصادية تستطيع توفير احتياجات الطبقات المختلفة وخاصة الدنيا منها فيما يتعلق بمسألة الدعم وخلافه. شرط أساسي لنجاح العدالة الاجتماعية وجود تنمية مجتمعية لتستطيع طبقات المجتمع استيعاب موجات التغيير القادمة.
  • العلاقة بين العدالة الاجتماعية والعدالة التوزيعية: تتمثل العدالة فى توزيع الحرية السياسية والمساواة الاجتماعية والحقوق الطبيعية بشكل منصف بين أفراد المجتمع، والهدف من عدالة التوزيع هو دفع البنية الأساسية للمجتمع المنظم من قبل المؤسسات بشكل يخدم تطبيق العدالة الاجتماعية.
  • إن مسألة العدالة الاجتماعية لا تتعارض البتة مع الحريات والحقوق الشخصية، حيث لا معنى لحرية فى مجتمع يسوده الفقر، فالعدالة الاجتماعية تسعى لإعادة توزيع الموارد بين أفراد المجتمع ومناطقه هو استغلال فئات معينة هي بالأحرى الفئات الغنية لطبقات اجتماعية أخرى، أي أنهم قاموا بمصادرة حريتهم عند استغلال قوت يومهم، وبالتالي فإن العدالة الاجتماعية تأتى لتصحح المسار هذا لتعيد الحقوق والحريات الى الفئات الأضعف.
  • لا يمكن الفصل بين العدالة المناخية والعدالة الاجتماعية، فهما وجهان لعملةٍ واحدة. إذ يعتبر هذان المفهومان المترابطان من المسائل الحيوية التي تُساهم في تحقيق وبناء مستقبلٍ أكثر إنصافا واستدامة للجميع، تقر وتعترف العدالة المناخية بالآثار الاجتماعية والاقتصادية والصحية المختلفة على المجتمعات التي تسببها أزمة المناخ، وهي تؤكد أن هذه الازمة لا تؤثر على الجميع بالتساوي. فتدفع المجتمعات الضعيفة والمهمشة الأقل مسؤولية عن الانبعاثات الفاتورة الأكبر لأزمة تغير المناخ لتنال النصيب الأكبر من تداعياتها المدمرة. الأمر الذي يؤدي بطبيعة الحال إلى تفاقم وتعميق أوجه عدم المساواة وحالات الظلم القائمة.

هناك مجموعة من التحديات تواجه تحقيق العدالة الاجتماعية، منها:

أولا صعوبة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية الموروثة

ثانيا: إطالة الفترة الانتقالية الصعبة، لم تستقر فيها مؤسساتها البرلمانية والسياسية بشكل طبيعي، ومن شأن هذه الحالة المضطربة أن تؤثر على أهم عناصر الحياة الاقتصادية وهو الاستثمار، فبدون تزايد معدلات الاستثمار، فمن الصعوبة بمكان الحديث عن إتاحة فرص عمل جديدة للداخلين الجدد لسوق العمل، أو لتقليص معدلات البطالة التراكمية، وطول الفترة الانتقالية يثير مخاوف لدى المستثمرين الأجانب بسب غياب المؤسسية ودولة القانون.

ثالثا: اتباع الآلية القانونية للتعامل مع مفسدي الحكومات السابقة

إذ يتطلب عودة الأموال المنهوبة بواسطة المسئولين السابقين، صدور أحكام قضائية نهائية حتى يتسنى للدولة ومؤسساتها التصرف في تلك الأموال واتخاذ قرارات بعودتها لوضعها، ويعد البطء الناتج عن اتباع المسلك القانوني لعودة الأموال المنهوبة أحد التحديات أمام تحقيق العدالة الاجتماعية، بسبب أن الإجراءات القانونية بطبيعتها تستغرق وقتا طويلا، في حين أن الدولة في أحوج ما تكون لسيولة تساعدها في الوفاء بالمتطلبات الأساسية للفقراء، وتلبية العديد من الخدمات العامة الخاصة بالطبقة الفقيرة.

رابعا: ارتفاع سقف الطموحات الشعبية: ارتفع سقف تطلعات الأفراد، لينالوا حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، فأطلق الأفراد لخيالهم العنان في شكل التعليم العام والمستشفيات العامة، والمرافق الخاصة بالنقل وغيره، واتسع الحديث عن الفساد والمبالغ العامة المنهوبة وعودة هذه الأموال وتوظيفها في تقديم خدمات للأفراد.

خامسا: التعهدات التي قطعت بالبرامج الحكومية

سادسا: بطء عمليات التغيير في الجهاز الإداري

ساهم غياب العدالة الاجتماعية في سورية إلى اندلاع الاحتجاجات في 2011، سبقها عقود من الظلم ، وفي سبيل عدم تكرار تلك المظالم والانتهاكات التي رافقت الصراع المسلّح الدموي، كان من الضروري معالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمواطن السوري بما يتوافق مع العهود والمواثيق الدولية التي انضمت إليها سوريا، وأيضا بما يتوافق مع قوانين حقوق الإنسان والقوانين الدولية ذات الصلة، وإن تحقيق العدالة الاجتماعية في سورية سوف يشكل أحد الجسور نحو سلامٍ مستدام في سورية، لعدة أسباب، أهمها: الجذور التاريخية لعدم المساواة في الفرص والموارد والمشاركة في الحياة العامة والتمييز، وبسبب غياب مبدأ الفصل بين السلطات مما يسمح بتدخل الأجهزة الأمنية بعمل المؤسسات الإدارية للدولة وفرض سطوتها عليها، ويؤدي لصعوبة تنفيذ القوانين والقرارات الإدارية.

لقد أدت سنوات الحرب والتدمير إلى النقص الحاد في موارد الدولة، لذا سيكون تحقيق العدالة الاجتماعية من أصعب المهام التي ستواجه القائمين على الوضع في سوريا في المرحلة الانتقالية وما بعدها، وتتأسس العدالة الاجتماعية في جوهرها بالنظريات العقدية حيث يؤكد العقد الاجتماعي على حالة الاجتماع الإنساني القائم على أساس مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص كمعيار للمواطنة الاجتماعية والسياسية. وتمثل دسترة مبدأ العدالة الاجتماعية امتدادا طبيعيا وتطورا منتظرا للحماية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ فقد تبنته غالبية المحاكم الدستورية في قضائها بشأن مدى دستورية القوانين المتعلقة بالحماية الاجتماعية؛ معتبرة العدالة الاجتماعية مبدأ دستوريا يستغرق كل المبادئ الواردة في النصوص الدستورية المتعلقة بالمقومات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والثقافية الضرورية للحياة الإنسانية، دون ربطها بطبيعة النظام اقتصادي في الدولة.

فالقضاء الدستوري من أهم هذه الآليات في المحافظة على الحقوق والحريات الأساسية وفي مواجهة أي انتهاك محتمل لسلطة ما عليها، ولا يخفى أن وجود القضاء الدستوري، وإن كان غير كاف لوحده في تحقيق الاستقرار وخلق الشعور العام بالعدل والإنصاف، إلا أنه يبقى أهم معيار من المعايير الدولية في قيام دولة المواطنة. بتأمين الحقوق الأساسية التي تشكل عصب العدالة الاجتماعية ومحورها الأساسي، ويمكننا صياغة التوصيات التالية:

  1. ضرورة النص في الدستور الجديد على سمو المعاهدات والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الانسان وحرياته الأساسية على القوانين الداخلية في سوريا، خاصة تلك التي صادقت أو ستصادق عليها سوريا، ومنح الحق للمحاكم الوطنية السورية بتطبيق نصوص تلك الاتفاقيات على القضايا المنظورة امامها في حال تناقض القوانين الداخلية معها.
  2. تشكيل لجان مهمتها إعادة النظر في القوانين والمراسيم السورية المعمول بها حالياً، لتحديد القوانين التي قد تنتهك حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وإلغاء التعديل هذه القوانين، وأن تعمل هذه اللجان تحت إشراف مجلس لحقوق الإنسان مؤلف من خبراء وخبيرات في مجال القانون الدولي لحقوق الانسان والقانون الدولي الإنساني، مع ضرورة وجود ممثلين للمجتمع المدني.
  3. إعادة النظر في قانون المحكمة الدستورية العليا وطريقة تشكيلها وتسمية أعضائها، وإشراك السلطتين القضائية والتشريعية بشكل فعلي في انتخاب او تعيين أعضاء المحكمة الدستورية، بشكل يضمن استقلالية هذه المحكمة وحيادها التام، مع مراعاة تمثيل ما لا يقل عن 30 بالمئة لأي من الجنسين.
  4. رفع الحصانة اللاشرعية الممنوحة للعاملين في المؤسسات السورية ووضع تصرفاتهم وافعالهم تحت رقابة القانون والقضاء، ومحاسبة المتورطين في كل ممارسات الفساد والعنف.
  5. الحق في السكن واحد من حقوق الإنسان الأساسية للرجال والنساء، وينبغي تعزيز الأطر الوطنية الملائمة لإعمال هذا الحق، وضع السياسات والممارسات لتلبية الاحتياجات المتعلقة بالسكن.
  6. ضرورة ضمان حقوق اللاجئين والنازحين في الدستور في ضمان عودة امنة وتوفير السكن اللائق والتعليم والرعاية الصحية الجيدة لجميع المواطنين.
  7. تشكيل مجلس للمرأة لمراجعة القوانين الحالية وإحداث قوانين جديدة تضمن الحقوق القانونية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية للمرأة في سورية.
  8. تشكيل لجنة موسعة للشفافية حكومية وغير حكومية سورية ، تعمل على رصد وسائل الإعلام والتواصل لمتابعة قضايا الفساد بعد تدعيمها بالوثائق اللازمة، ومتابعة ممارسات الشفافية في جميع المؤسسات والحقول ولدى مختلف الهيئات المدنية والحقوقية والسياسية الحكومية وغير الحكومية، ومن اجل التأسيس العلمي والمنهجي لثقافة مجتمعية بالشفافية ونشرها ووضعها امام المحاكم الوطنية.
  9. تشكيل تحالف شباب وطني سوري حكومي وغير حكومي من أجل تفعيل حق المشاركة للشباب السوري بأوسع ما يمكن في بناء السلام وتعزيزه والحفاظ عليه، ومعني بالدفاع عن قضايا وأراء ومواقف الشباب السوري الحكومية وغير الحكومية، ومن اجل القيام بعملية التنمية المستدامة والدفع بعملية النمو.
  10. ممارسة كافة الضغوط الأممية والدولية، الجدية والفعالة على جميع الاحتلالات والقوات المسلحة غير السورية والمتواجدة على الأراضي السورية، من اجل الانسحاب الفوري وغير المشروط مع المتعاونين معهم من السوريين المعارضين.
  11. تشكيل لجنة تحقيق قضائية مستقلة ومحايدة ونزيهة وشفافة بمشاركة ممثلين عن الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة في سورية والمنظمات الحقوقية السورية الاخرى، تقوم بالكشف عن جميع الانتهاكات التي تم ارتكابها على الأراضي السورية وحتى الان، وعن المسئولين من قوى الاحتلال الذين تسببوا بوقوع ضحايا (قتلى وجرحى)، من اجل أحالتهم إلى القضاء المحلي والاقليمي والدولي ومحاسبتهم.
  12. دعوة المنظمات الحقوقية والمدنية السورية، للتعاون من اجل تدقيق وتوثيق مختلف الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها القوات المحتلة التركية والاحتلالات الأخرى وحتى الان، من اجل بناء ملفا قانونيا يسمح بمتابعة وملاحقة جميع مرتكبي الانتهاكات، سواء أكانوا اتراك أم سوريين متعاونين معهم، كون بعض هذه الانتهاكات ترقى لمستوى الجرائم ضد الإنسانية وتستدعي إحالة ملف المرتكبين للمحاكم الجنائية الدولية والعدل الدولية.
  13. الوقوف بشكل حازم في وجه جميع الممارسات التي تعتمد على تغيير البنى الديمغرافية تحقيقا لأهداف ومصالح عرقية وعنصرية وتفتيتيه تضرب كل أسس السلم الأهلي والتعايش المشترك.

 

 

دمشق في تاريخ 23\ 2\2024

 

المنظمات والهيئات الحقوقية والمدنية السورية المنتجة لهذا النداء الحقوقي

الهيئة الادارية للفيدرالية السورية لمنظمات وهيئات حقوق الانسان

About Author

ربما فاتك